كان يوم سبت..
وقفت انتظر باص الجامعة كعادتي، وكان هنالك طلاب كثيرون ينتظرون أيضا.. وبعد لحظات أقبل الباص من بعيد يمشي الهوينى وكأنى به دهش عندما شاهد هذا الجمع الغفير من الطلاب يحملقون أعينهم به، وكلهم تربص وكأنهم سيخوضون حربا.. توقفت الحافلة وفتحت أبوابها فرميت بنفسي في تيار الزحام ودفعت بكل قوتي وإذا بي قد دخلت التفت يمينا فرأيت كرسيا شاغر أسرعت نحوه وجلست أستريح من عناء صعود الحافلة.. نظرت من النافذة فرأيت الكثير من الطلاب الذين لم يسعفهم الحظ في الركوب.. فحسدت نفسي، لأنه أن تركب باص الجامعة وتجلس ليس بالأمر الهين أبدا، بل يعد بطولة من البطولات.
وانطلق الباص في طريقه إلى الجامعة..
أخذت اشغل نفسي بالاستماع إلى الأحاديث المختلفة بين الطلاب شد انتباهي حديث أحد الطلاب المتخرجين مع صديق له:
ستجري مسابقة لتوظيف إداريين يخضعون للتربص مدة ثمانية أشهر ثم يتم ترسميهم.
ممتاز و ما هي شروط التحاق بهذه الوظيفة؟
عادي، المستوى الدراسي والوضعية بالنسبة للخدمة الوطنية والسن، لكن الجيد أنهم سيأخذون الطلبة الممتازين بعين الاعتبار.
رائع فرصتنا كبيرة إذ نحن الأوائل على دفعتنا.
الحمد لله أن لن تذهب دراستنا وتعبنا سدى..
ثم التفت إلى النافذة.. ونظر بعيدا إلى هناك حيث الأفق البعيد.. إلى حيث يستحيل الوصول.. بدا يتطلع بأحلامه إلى هناك.. بعيون تشع أملا بمستقبل لم تأب مخيلته إلا أن تبدأ في رسم معالمه.. آخذة من الخيال القسط الأكبر..
تأملته.. فرأيت فيه مثال الشاب في عنفوانه عظيم الطموحات لا تكاد الأرض تسعها من شدتها.. رأيت ابتسامة أبت إلا أن ترتسم فوق شفتيه لتعبر عما يخالجه من آمال..
لم أفق من تأملاتي إلا لحظة وصولنا الجامعة.. نزلنا من الباص ومنذ ذلك اليوم لم ألتق ذلك الشاب.
مضى قرابة شهر منذ تلك الحادثة..
وفي أحد الأيام..
وقفت أنتظر باص الجامعة كعادتي.. وبعد معركة طاحنة في محاولة للصعود صعدت إلى الباص ولم يسعفني الحظ في الحصول على كرسي فبقيت واقفة.. وإذا بذلك الشاب من جديد لكنه مختلف هذه المرة.. انطفأ الشعاع الذي كان ينطلق من عينيه المعلن عن آمال وأحلام لا حدود لها.. غارت عيناه تحت جبين تعيس ونبتت لحيته بشكل ملفت.. وبدا وجهه مثقلا بالهموم وقد خط الحزن فيه خطوطا بارزة فبدا لي وكأنني لم أره منذ سنين خلت وليس منذ شهر تقريبا..
سلم عليه طالبان يعرفانه ثم أخذا مكانهما واقفين بالقرب مني.. قال أحدهما:
رأيت رضا المسكين.. لقد يأس..
ماذا حدث له ليصير إلى هذه الحال؟
لقد أجرى مسابقة توظيف ونجح فيها..
ثم ماذا؟
عين في الوظيفة لكن.. جاءه المدير في اليوم الثاني لتعيينه وأمره بترك الإدارة..
هكذا ودون سبب؟؟
جاءت توصية لأحدهم من أعلى.. فعين مكان رضا.. وطرد المسكين ليحل محله من له "معارف" يعول عليها..
ولكن ألا يوجد قانون ؟ لم يكن المسكين قد رسم بعد.. وماذا يفعل القانون في دولة "الأكتاف"
ترى ماذا ينتظرنا بعد التخرج؟
فهمت ماذا حصل للشاب المسكين.. بعدما كانت الدنيا لا تسع أحلامه.. أضحى الكون سجنا مظلما يخنقه.. دفن رأسه بين يديه وكأنه يهرب من عالم لا يريده.. ثم رفعه من جديد نظر نحو الأفق بنظرة أخرى غير تلك التي نظر إليه بها منذ قرابة الشهر.. انه لا يراه لم يعد هناك أفق.. لا يأبى واقع اليم مخز إلا أن يحطم أحلامنا ويقتل طموحاتنا.. إن رضا ضحية وغيره كثيرون.. ليس هذا زماننا وليس هذا مكاننا.. فهل هو ذنبنا أننا لا نزال نحلم.. أم هو ذنب زمن مادي كريه.. ربما من استولى على وظيفة رضا ليس بحاجة إليها.. ولا هو يملك أحلاما وطموحات يريد تحقيقها.. فقط هو يريد الوظيفة وهو من أصحاب النفوذ.
أفقت من تفكيري وقد وصلنا الجامعة..
نزلنا من الباص.. رأيت ذلك الشاب يمضي.. وكأنه دون وجهة.. بدا يجر حلمه المغتال كما تجر اللبؤة شبلها الميت لأنها لا تصدق أنه قد مات.. التفت إلى باص الجامعة فوجدته يعود أدراجه.. سيحمل طلابا آخرون يملكون أحلاما أيضا.. قد تعيش أحلامهم وقد تغتال هي الأخرى.
كطلبة
ردحذفنحن جميعا عشنا تلك الشحنات من الغيط والمتعة في نفس الوقت
التي نحسها كلما هممنا بامتطاء باص الجامعة
ولكن كتاباتك عن الموضوع اعطته رونقا آخر
وهذا هو دور الابداع
ان يجعل من الاحداث اليومية البسيطة التي قد لا ينتبه لها الناس العاديون
موضوعا للتامل وللتذوق
سعدت بالتعرف على مدونتك
اشكرك سيدي ليا الشرف ان مدونتي حظيت باعجابك
ردحذفواسفة على التاخر في الرد انت تعرف رمضان ومشاغله
كل سنة وانت بخير
مرحبا
ردحذفنحيطكم علما اننا قمنا بنقل نسخة عن هذه التدوينة لقسم مدونون ومدونات
http://www.amarta-sy.com//showthread.php?t=638
تحيات ادارة أمارتا
وشكرا
قصة جميلة لكن ارى الاسباب كثيرة التي تجعل مثل هذا الطالب يستطدم بواقع لم يخطر على باله ابدا . مشكورة على ابداعك في الوصف
ردحذف