السبت، 10 يناير 2009

على عتبة مرآة


تساءلت ؟…لماذا هؤلاء البشر ظالمون؟…نظرت إلى المرآة بحسرة …تدحرجت على خديها دمعة ساخنة…أنا راضية بما قسمه الله لي…أنا فعلا راضية…اشد ما يؤلمها نظرة شفقة لا يبخل عليها بها احد ممن حولها … يا ليتهم يتركوها بسلام …لأنها ببساطة راضية …أتراه ذنبها …إن كانت قليلة الحظ من جمال خارجي…هل السعادة حكر على صاحبات العيون الخضراء والقامات الهيفاء …لو كان الأمر كذلك لكانت ملكات الجمال وحدهن صاحبات الحق في السعادة…

لازالت جروح دامية من ليلة أمس تنزف في قلبها البريء…عاودت التحديق في المرآة…هل كان عليهم جرحها بهذه القسوة …ليست هي من طلب منهم المجيء…إنها لم تطلب شيئا من احد… وهي لا تذكر أنها طلبت شيئا من احد في يوم من الأيام …انه ذنب الخاطبة التي اعتقدتهم يبحثون عن فتاة على قدر كبير من الأدب والأخلاق …مدبرة بيت ممتازة…لا تعرف من الشارع غير فتحة صغيرة بباب البيت الخارجي التي تطل منها لتعرف من القادم…لن تنسى كيف استقبلتهم والدتها والسعادة لاتسع أما حلمت أن ترى ابنتها في بيت زوجها ناعمة بالاستقرار وأطفالها يجرون ويلعبون هنا وهناك …لن تنسى دمعة فرحة أبت إلا أن تفر من عينيها وهي تزغرد معلنة لكل الجيران أن ابنتها التي طالما نبذوها وتحدثوا عنها قد جاءها العريس طالبا يدها …لن تنس مائدة أعدتها والدتها بكل ما أتقنت يداها وروحها وقلبها…لقد كادت أن تيأس من قدوم هذا اليوم… رغم أنها لم تحسسها بأنها مختلفة عن الأخريات … لكنها كانت تلمس ذلك في بكائها كلما تزوجت إحدى جاراتها أو قريباتها …
رحبت بهم والدتها بكل روحها …تحدثوا في كل شيء …تحدثوا عن فتيات سافرات لا يراعين التقاليد ولا الحشمة … حتى أنهن خرجن للعمل مع الرجال والعياذ بالله …انتهت المقدمات وحان وقت رؤية الفتاة … هل كان عليهم قول كل ذلك … كان في الإمكان اختلاق أي عذر والذهاب دون أي وعود …كان في الإمكان الرحيل بصمت …فقد اعتادت العذاب في صمت …دخلت عليهم تحمل صينية القهوة … نظرت إلى والدتها التي بادلتها نظرة حملتها كل الحنان والحب الموجودان على هذه الأرض …لم ينتظروا حتى لتسلم عليهم …لم ينتظروا أن تقول مساء الخير …لم ينتظروا أن يتذوقوا أطيب قهوة صنعت في هذا البيت … وسكبت في أغلى الفناجين …لم ينتظروا حتى يعرفوا كيف تفكر …وماذا عن طيبتها وعفويتها …ماذا عن حسن أخلاقها وحساسيتها …وماذا عن الحب الذي يملأ قلبها …أحست أنهم مزقوا نفسها …قطعوا روحها … هدموا إنسانيتها …لم تدر إلا وهي تصعد الدرج باكية …مغتالة الأحلام …تردد : إنها بشعة جدا …لا تصلح لابني…ابني يستحق أجمل بنت في البلاد …ثم قاسمتها الخاطبة التجريح…هل أنت عمياء ؟ الم تريها قبل أن تورطيننا في هذه الزيارة …إنها بشعة جدا …بشعة جدا … بشعة جدا …ترددت الكلمة في نفسها مثل طعنات سكين حاد…ترامى إلى مسمعها انغلاق الباب الخارجي …ثم بكاء مرير من أم تحس أنها مسئولة عن حال ابنتها …لكن هل نسيت أمها كما نسي هؤلاء أن الخلق لله وحده …وأننا ما أراد الله سبحانه …لو انتظروا قليلا … لو منحوها فرصة لتظهر لهم ما في باطنها … لو نظروا إلى داخلها لرؤوا ملاكا طاهرا على هذه الأرض … أحست أن الكون ضيق على رحابته …بعدما كان لا يتسع لأحلامها … إنها تتمزق حزنا ليس على نفسها بل على والدتها …
لقد خيبت حلمها في رؤيتها بالفستان الأبيض …ملاها إحساس بالانقباض وهي ترى كل ما حولها كئيبا حزينا …ملاها إحساس موحش بالظلم…وهي ترى والدتها التي لم تكن أفضل منها حالا…إن أكثر ما كان يضايقها حزن أمها الواضح ودموعها التي لا تجف …وحسرتها المدفونة في أعماقها…وفي الليل الصامت …قامت إلى المرآة القابعة قرب فراشها …نظرت إلى صورة يمقتها البشر الظالمون …انهمرت عبراتها في صمت…فكرت قليلا في كل ما مر بها …ومن خلال غشاوة الدمع العالق في مقلتيها …انطلقت ضحكة عالية معلنة عن انفعال غريب متمرد …هرعت إليها والدتها باكية فزعة وسألتها في جزع : ما بك يا حبيبتي؟ فأجابتها في لهجة مستغفرة :أمي أنا راضية بحالي كفي عن تعذيب نفسك أرجوك… استطاعت أن تنقل إليها إحساس الرضا …واختبأت في حضنها الحاني الآمن …وودت لو يطول استقرارها فيه…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق